بين ثقافة السلام وثقافة التسامح ارتباط وثيق
بين ثقافة السلام وثقافة التسامح ارتباط وثيق
بقلم: د. نبيل صموئيل
اليوم 16 نوڤمبر هو اليوم الدولي للتسامح وهو يوم دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 ودعت الدول الأعضاء إلى الاحتفال به من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور.
وفي هذه المناسبة الجميلة نتأمل معا في العلاقة بين ثقافة السلام وثقافة التسامح:
يرتبط مفهوم ثقافة السلام بحزمة من المفاهيم، أهمها التسامح والعدل والحب، والقبول الإنساني، والعيش المشترك، والأمن الإنساني.
وتعتبر قيمة التسامح هي الأساس الذي تُبنى عليه ثقافة السلام، فقبل كل شيء ينبغي أن يكون الإنسان متسامحاً مع ذاته، مما يجعله أكثر شعوراً بالرضا عنها ومتقبلاً لها، ما يؤدي إلى السلام النفسي، الذي يترتب عليه بقية أنواع السلام، سواء الأسري أو المجتمعي، أو المحلي، أو العالمي.
وهو ما يجعل الإنسان صادقاً مع نفسه، يستطيع أن يتقبل الآخر ويتعاون معه، ويستطيع أن يتحمل العديد من المسؤوليات، لأنه يشعر بالرضا عن ذاته، ولديه الثقة بإمكاناته، ومتقبل لذاته. وهو ما يجعلنا في احتياج شديد هذه الأيام إلى تبني ونشر وتفعيل ثقافة التسامح في عصر تزداد فيه التوترات والتعصب والتطرف ونفي الآخر المختلف، والذي ربما يقود إلى العداوة ورفض الآخرين المختلفين وربما يصل الأمر إلى القتل والذبح.
فثقافة التسامح هي الثقافة التي تضبط علاقة الإنسان بعقائده وأفكاره، بحيث لا تصل إلى مستوى التعصب الأعمى الذي ربما يقود صاحبه نحو إيذاء المختلفين معه إلى ممارسة العنف ضدهم وقد يصل إلى المعاداة والتدمير وعادة يتم ذلك باسم القيم.
وقد أصبح التسامح اليوم ليس محوراً من محاور المدينة الفاضلة التي كان يحلم الناس بها قديماً، فقد أصبح ضرورة إنسانية واجتماعية وسياسية وثقافية.
وقيمة التسامح عابرة لكل الاختلافات بين البشر دينية ومذهبية، واختلاف النوع الاجتماعي، واختلافات ذوي الإعاقة والاختلافات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية فلا يمكن التمييز بين هذه الاختلافات، فكلها تستدعي التسامح كقيمة إنسانية عابرة لكل هذه الاختلافات.
ويُعد التسامح أحد القيم الإنسانية الهامة، ويُعرف بأنه:
“الانفتاح على التنوُّع والتعدُّد بمختلف أشكاله”
ويرتبط التسامح باستعداد الفرد لقبول معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقده ويمارسه ويحيا به، ومع الاعتراف والقبول بحقوق كل الأفراد والجماعات التي لديها أفكار وآراء ومواقف ومعتقدات وممارسات مختلفة، والإقرار بالمساواة بين الأطراف كافة، وهو ما يعاون على إرساء قيم السلام والعدالة بين الجميع.
لذا لا بد من الاهتمام بدور العقل والفكر والعمل معا لتحقيق السلام العادل من خلال إبراز قيمة التسامح وبناء حواراً فعالاً مؤسساً على احترام الاختلاف والتنوع بين البشر وعلى جوانب حياتنا المختلفة، في الأسرة والمدرسة والمجتمع والدولة ككل.
ويمكننا أن نُعطي للتسامح تعريفاً شاملاً (منقول) بأنه:
“التأكيد الواعي على الأحكام، والمُعتقَدات التي تنطوي على مبادئ العدالة، والمساواة والرعاية، أي تقديم الاحترام والمساواة للذين يختلفون في خصائصهم العرقية والدينية والجنسية وغيرها”.
ويحمل تعريف التسامح بمختلف أشكاله أساسيّات مشتركة لقبول تنوعنا البشري الخلاق الذي خلقنا عليه، واختلاف الآخرين واتخاذ موقف عادل وموضوعي تجاه الأشخاص الذين يختلفون عنا في مختلف الجوانب ورفض التعصب بمختلف أشكاله.
المبادئ الجوهرية لقيمة التسامح:
– الحُكم بموضوعيّة:
فالكثير من الناس يُطلقونَ الأحكام الناقدة على الآخرين بغير موضوعية، أو دون التفكير المُسبق في تلكَ الأحكام ولهذا ينبغي أن يحاول الشخص تفهم الآخرين بشكل غير انحيازي أو تعصُّبي.
– العقلانيّة:
قد لا يقتنع شخص ما بوجهة نظر الآخرين الذين يختلفون عنه، ممّا يبرّر له معارضتهم، بشرط ألّا تكون هذه المعارضة محرضة على الكراهية والعداوة.
– التسامح قناعة داخلية:
قد يظهر البعض تسامحهم تجاه الآخرين عن غير قناعة إذ إنهم قد يتسامحون معهم لأنّ الآخرين في موضع قوّة لا يمكن معارضتهم، أو تجنُّباً للمشاكل، أو رغبةً بأن يُقال عنه شخص إنه متسامح، فذلك لا يُعتبر شخصاً متسامحاً، فالتسامح الحقيقي هو قناعة داخلية شخصية بضرورة عدم التصرُّف بناءً على معارضته آراءَ الآخرين.
أهمية ثقافة التسامح:
– لنشر ثقافة التسامح أثر طيّب في حياة المجتمعات، فالمواطنون الذينَ يسلكون بقمة التسامح تجاه الآخرين المختلفين في مجتمعاتهم يعاون ذلك على نشر الود والتعاطف والسلام في المجتمع. ويدفع ويشجع المواطنين على الاستعداد للمشاركة مع الآخرين حتى مع تنوعهم واختلافاتهم، ومما يعضد من قوة وتماسك هذه المجتمعات.
– انتشار ثقافة التسامح والمبنية على العقلانية لدى الأشخاص يزيد ذلك من قدرتهم على رؤية الآخرين الذين يختلفون عنهم على أنّهم شركاء الوطن. وكما يُوجِد التسامح بيئة تجذب المواهب والقدرات جميعها وبالتالي فإن التنوع سيجد مكانا كبيرا في تلك الشعوب، ممّا يساهم في التقدُّم والابتكار، والنموّ الاقتصاديّ.
– ولنشر ثقافة التسامح في المجتمعات أهميّة كبيرة في حفظ حقوق الإنسان، وتحقيق السلام والديمقراطيّة، والحدّ من العنف، والنزاعات والحروب.
– ونظرا لأهمية نشر ثقافة التسامح فقد أصبحت هناك ضرورة قصوى لتنشئة الأطفال ليتعلموا ويمارسوا التسامح منذ سنواتهم الأولى، إذ يبدأ اكتساب الطفل لصفاته الأخلاقيّة من الوالدين في المنزل، فإذا كانَ الوالدان مع الآخرين في حالة تسامح فإنّ الطفل سيكون انعكاساً لما يراه في المنزل، وهو ما يتطلب الحذر من استخدام العبارات السلبية والعُنصريّة أمامَ الطفل.
– وكما من الأهمية بمكان تعليم الطفل ثقافات الآخرين وأفكارهم ودفعه إلى مشاركة الأنشطة مع الأصدقاء الذين يختلفون عنه، فالطفل عندما يكون منفتحا على الثقافات والأشخاص وأفكارهم وتشجيعه للمشاركة معهم، مع الأصدقاء الذين يختلفون عنه سيكون من السهل عليه قبول اختلاف الآخرين عندما يكبر.
المؤسسات المنوط بها نشر ثقافة التسامح:
– للمدرسة دور كبير في توعية الأطفال بضرورة احترام الآخرين، وإعداد برامج تعليميّة توعويّة عن التسامح، ولزيادة الاندماج بينَ الأطفال على اختلافهم، وذلك من خلال أدوات وآليات عملية في ممارسة الرياضة والفنون ومن خلال الرحلات والبرامج المشتركة الصيفيّة وغيرها.
– ويلعب الإعلام دورا هاما في نشر ثقافة التسامح وذلك بإيصال صورة غير متعصبة عن الأشخاص والفئات المختلفة في المجتمع مما يعاون على نشر ثقافة التسامح وذلك مع ضرورة انتباه الأهل للمحتوى الإعلامي الذي يشاهده أطفالهم.
– المؤسسات الثقافية من خلال نشر الأدب والفكر والإبداع فرجالات متعددة وبصور مختلفة تظهر قيمة التسامح وارتباطه بالسلام المجتمعي.
– المؤسسات الدينية لها دور كبير في نشر قيمة التسامح والحض على قبول الاختلافات والتنوع باعتبار ذلك الصورة التي خلقنا عليها في تنوع بشري خلاق.
فهل نستطيع أن نشارك العالم اليوم في نشر التسامح وبالتالي السلام، وهل تعي المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية هذا اليوم فتشارك بفاعليات مدرسية وثقافية وإعلامية تعمل على نشر وغرس وتعميق ثقافة التسامح… يا ليتنا نستيقظ.